فصل: كشف العورة عند الاغتسال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


عُهْدة

التّعريف

1 - العهدة في اللّغة‏:‏ من العهد، وهو بمعنى الوصيّة والأمان والموثق والذّمّة، وتطلق العهدة على الوثيقة والمرجع للإصلاح، يقال‏:‏ في الأمر عهدة أي مرجع للإصلاح، وتسمّى وثيقة المتبايعين عهدةً ؛ لأنّه يرجع إليها عند الالتباس‏.‏

وفي الاصطلاح، عرّفها الحنفيّة في باب الشّفعة بأنّها‏:‏ ضمان الثّمن عند الاستحقاق‏.‏ وعرّفها الأبيّ الأزهريّ من المالكيّة بأنّها‏:‏ ضمان ثمن حصّة من حضر بعد غيبته إن ظهر فيها عيب أو استحقّت‏.‏

وعرّفها الدّردير بأنّها‏:‏ تعلّق ضمان المبيع بالبائع في زمن معيّن، وهي قسمان‏:‏ عهدة سنة، وعهدة ثلاث‏.‏ وقال البهوتيّ من الحنابلة‏:‏ المراد بالعهدة هنا ‏(‏أي في باب الشّفعة‏)‏ رجوع من انتقل الملك إليه من شفيع أو مشتر على من انتقل عنه الملك من بائع أو مشتر بالثّمن أو الأرش عند استحقاق الشّقص أو عيبه‏.‏

الحكم الإجماليّ

بحث الفقهاء مسائل العهدة في الشّفعة، وخيار العيب‏.‏

أوّلاً - العهدة في الشّفعة

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ الشّفعة إذا ثبتت لأكثر من واحد، وحضر بعضهم فإنّها تعطى لمن حضر إذا طلبها، لكنّها لا تتجزّأ، فإمّا أن يأخذها جميعها، أو يتركها جميعها ؛ لأنّ في تجزئتها تفريق الصّفقة، وهو ضرر للبائع والمشتري، فإذا أخذها أحد الشّريكين، ثمّ حضر الآخر وطلب حصّته من الشّفعة يقضى له بالنّصف، ولو كانوا ثلاثةً فحضر الثّالث أيضاً يقضى له بثلث ما في يد كلّ واحد، وهكذا تحقيقاً للتّسوية‏.‏

وهل يقضي القاضي بكتب العهدة - أي ضمان الثّمن عند الاستحقاق - على البائع أو على المشتري أو على الشّفيع الأوّل إذا حضر الغائب وأخذ منه حصّته ‏؟‏

اختلف الفقهاء في ذلك، فقال المالكيّة والشّافعيّة‏:‏ عهدة الشّفيع على المشتري لا على البائع، سواء أأخذ الشّفعة من يد البائع قبل القبض أم من يد المشتري بعد القبض، لأنّ الملك انتقل إليه من المشتري‏.‏

وزاد المالكيّة أنّه إذا أخذ الحاضر الجميع بالشّفعة، ثمّ جاء الغائب كان مخيّراً في كتب عهدته إن شاء على المشتري، وإن شاء على الشّفيع الأوّل، لأنّه كان مخيّراً في الأخذ، فهو كمشتر من المشتري‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن بيعت الدّار للمشتري وقضى القاضي للشّفيع بالشّفعة، فإن كانت أخذت من يد البائع فالعهدة على البائع‏.‏ لأنّه هو القابض للثّمن، وقد انفسخ البيع بين البائع والمشتري، أمّا إذا أخذت الدّار بالشّفعة من يد المشتري، فالبيع الأوّل صحيح، ويدفع الشّفيع الثّمن إلى المشتري، وعهدة الشّفيع على المشتري، لأنّه هو القابض للثّمن ؛ ولأنّ الشّيء انتقل من ملك المشتري‏.‏

أمّا الحنابلة فالأصل عندهم أنّ عهدة الشّفيع على المشتري، لأنّ الشّفيع ملك الشّقص من جهته، فهو كبائعه، وعهدة المشتري على البائع، إلاّ إذا أقرّ البائع وحده بالبيع، وأنكر المشتري الشّراء وأخذ الشّفيع الشّقص من البائع، ففي هذه الحالة العهدة على البائع، لحصول الملك للشّفيع من جهته‏.‏

ثانياً - العهدة في خيار العيب

3 - إذا وجد المشتري في المبيع عيباً قديماً ينقص الثّمن عند التّجّار وأرباب الخبرة فله خيار الفسخ بالعيب‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ للمشتري إذا اشترى رقيقاً خاصّةً - ذكراً أو أنثى - الرّدّ في عهدة الثّلاث أي ثلاثة أيّام بكلّ عيب حادث، وهو‏:‏ ما يحدث في المبيع عند المشتري، والقديم وهو‏:‏ ما كان فيه وهو عند البائع، كزناً وسرقة وعمىً وجنون، إلاّ أن يستثنى عيب معيّن، كما أنّ له الرّدّ في عهدة السّنة بثلاثة أدواء خاصّة، وهي‏:‏ الجذام والبرص والجنون، دون سائر العيوب‏.‏

قال الدّردير‏:‏ ومحلّ العمل بالعهدتين إن شرطا عند البيع أو اعتيدا بين النّاس، أو حمل السّلطان عليهما النّاس، وقال بعضهم‏:‏ يعمل بهما ولو لم تجر بهما عادة، ولا وقع بهما شرط‏.‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏عيب‏)‏‏.‏

عَوارض الأهليّة

انظر‏:‏ أهليّة‏.‏

عَوَامِل

انظر‏:‏ زكاة‏.‏

عَوَر

التّعريف

1 - من معاني العور في اللّغة‏:‏ ذهاب حسّ إحدى العينين، يقال عور الرّجل‏:‏ ذهب بصر إحدى عينيه، فهو أعور وهي عوراء والجمع عور‏.‏

والفقهاء يستعملونه بالمعنى اللّغويّ نفسه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العشا‏:‏

2 - العشا - مقصور - سوء البصر باللّيل والنّهار يكون في النّاس والدّوابّ والطّير، يقال‏:‏ عشي عشىً‏:‏ ضعف بصره فهو أعشى والمرأة عشواء‏.‏

وقيل‏:‏ العشا يكون سوء البصر من غير عمىً، ويكون الّذي لا يبصر باللّيل ويبصر بالنّهار‏.‏

والفرق بين العور والعشا‏:‏ أنّ العور ذهاب حسّ إحدى العينين، والعشا سوء البصر‏.‏

ب - العمش‏:‏

3 - من معاني العمش ضعف رؤية العين مع سيلان دمعها في أكثر أوقاتها، يقال‏:‏ عمش فلان عمشاً‏:‏ ضعف بصره مع سيلان دمع عينه في أكثر الأوقات فهو أعمش وهي عمشاء‏.‏ والفرق بين العور والعمش أنّ العور ذهاب حسّ إحدى العينين والعمش ضعف الرّؤية مع سيلان الدّمع‏.‏

ح - الحول‏:‏

4 - الحول - بفتحتين - أن يظهر البياض في العين في مؤخّرها، ويكون السّواد من قبل الماقّ وطرف العين من قبل الأنف‏.‏

والفرق بين العور والحول‏:‏ أنّ العور ذهاب حسّ إحدى العينين، والحول عيب في العين لا يذهب حسّها‏.‏

د - العمى‏:‏

5 - العمى ذهاب البصر كلّه فالرّجل أعمى والمرأة عمياء والجمع عمي‏.‏

والفرق بين العمى والعور أنّ العمى لا يقع إلاّ على العينين جميعاً، في حين أنّ العور هو ذهاب حسّ إحدى العينين‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعور

أ - التّضحية بالعوراء‏:‏

6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا تجزئ التّضحية بالعوراء البيّن عورها، لما روى البراء رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال «لا يضحّى بالعرجاء بيّن ظلعها ولا بالعوراء بيّن عورها، ولا المريضة بيّن مرضها، ولا بالعجفاء الّتي لا تنقي» ولأنّها قد ذهبت عينها‏.‏

ثمّ اختلفوا في جواز التّضحية بعوراء لا تبصر بإحدى عينيها مع قيام صورة العين، فذهب الحنابلة وهو المقابل للأصحّ عند الشّافعيّة، والعينيُّ من الحنفيّة إلى إجزاء العوراء الّتي على عينها بياض وهي قائمة لم تذهب ؛ لأنّ عورها ليس ببيّن، ولا ينقص ذلك لحمها‏.‏ ويرى المالكيّة والشّافعيّة في أصحّ الوجهين أنّ العوراء لا تجزئ في الأضحيّة ولو كانت صورة العين قائمةً، وهو ما يؤخذ من إطلاق عبارات الحنفيّة‏.‏ فإن كان بعينها بياض لا يمنعها النّظر أجزأت‏.‏

ب - فسخ النّكاح بالعور‏:‏

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ العور لا يثبت به حقّ فسخ النّكاح لأحد الزّوجين ما لم يشترط السّلامة منه‏.‏

أمّا إذا اشترط أحد الزّوجين على صاحبه السّلامة من العور ونحوه حتّى ولو كان شرط السّلامة بوصف الوليّ، أو وصف غيره بحضرته وسكت بأنّها صحيحة العينين، فبان خلاف ذلك، فيرى المالكيّة والحنابلة على أحد القولين - وهو المذهب عندهم - أنّ له الفسخ‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا اشترط أحد الزّوجين على صاحبه السّلامة من العور ونحوه كالعمى والشّلل والزّمانة فوجد بخلاف ذلك لا يثبت له الخيار‏.‏

وعند الشّافعيّة أنّه إن كان المشروط سلامة الزّوج فبان دون المشروط، فلها الخيار، وإن شرطت السّلامة في الزّوجة ففي ثبوت الخيار للزّوج قولان لتمكّنه من الطّلاق، قال النّوويّ

‏:‏ الأظهر ثبوته‏.‏

ج - إعتاق الأعور في الكفّارات‏:‏

8 - يجزئ إعتاق الأعور في الكفّارات دون الأعمى ؛ لأنّ المقصود تكميل الأحكام وتمليك العبد المنافع والعور لا يمنع ذلك ؛ ولأنّه لا يضرّ بالعمل فأشبه قطع إحدى الأذنين‏.‏

ونقل أبو بكر من الحنابلة قولاً بعدم إجزاء الأعور في الكفّارات ؛ لأنّ العور نقص يمنع التّضحية والإجزاء في الهدي فأشبه العمى‏.‏

د - جناية صحيح العينين على الأعور‏:‏

9 - لا تؤخذ العين السّليمة بالحدقة العمياء ؛ لعدم المماثلة، بل تجب فيها حكومة عدل بالاجتهاد، وكذلك في العين القائمة الذّاهب ضوءها حكومة كاليد الشّلّاء، بهذا يقول جمهور الفقهاء‏:‏ أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وأبو ثور وابن المنذر‏.‏

وروي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ في عين الأعور الّتي لا يبصر بها مائة دينار، وعن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ فيها ثلث ديتها، وبه قال إسحاق، وقال مجاهد‏:‏ فيها نصف ديتها‏.‏

وإذا قلع صحيح العينين عين الأعور المبصرة فيرى المالكيّة والحنابلة في وجه أنّ المجنيّ عليه مخيّر بين القصاص وبين أخذ دية كاملة من مال الجاني‏.‏

والمذهب عند الحنابلة - وهو ما نصّ عليه أحمد - أنّ للمجنيّ عليه القصاص من مثلها ويأخذ نصف الدّية ؛ لأنّه ذهب بجميع بصره وأذهب الضّوء الّذي بدله دية كاملة، وقد تعذّر استيفاء جميع الضّوء، إذ لا يمكن أخذ عينين بعين واحدة، ولا أخذ يمين بيسرى، فوجب الرّجوع ببدل نصف الضّوء‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ عين الأعور السّليمة يجب فيها نصف الدّية‏.‏

ويرى الحنفيّة على الأصحّ أنّ الخطأ والعمد في ذلك سواء‏.‏

هـ - جناية الأعور على صحيح العينين‏:‏

10 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والثّوريّ إلى أنّه إذا فقأ أعور من سالم مماثلته السّالمة يقتصّ منه‏.‏ وروي ذلك عن عليّ وهو قول مسروق وابن سيرين وابن معقل واختاره ابن المنذر وابن العربيّ، لأنّ اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏}‏ وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «في العينين الدّية» ففي العين نصف الدّية، والقصاص من صحيح العين والأعور كهيئته بين سائر النّاس‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه لا تؤخذ العين السّليمة بالحدقة العمياء، وتؤخذ القائمة بالصّحيحة إذا رضي المجنيّ عليه‏.‏

أمّا المالكيّة فيخيّرون المجنيّ عليه بين القصاص وبين أخذ الدّية كاملةً، بمعنى أنّ للمجنيّ عليه أن يفقأ عين الجاني السّالمة فيصيّره أعمى أو يترك القصاص ويأخذ من الجاني دية ما تركه‏.‏

ويرى الحنابلة أنّه إذا قلع الأعور عين الصّحيح فلا قود وعليه دية كاملة‏.‏ وروي ذلك عن عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء‏.‏

وإن فقأ الأعور من السّالم غير المماثلة لعينه السّليمة بأن فقأ من السّالم مماثلة العوراء فتلزم الجاني نصف دية فقط وليس للمجنيّ عليه أن يقتصّ لعدم المحلّ المماثل، بهذا قال المالكيّة، وهو ما يؤخذ من عبارات الحنفيّة حيث قالوا‏:‏ إذا كانت العين اليمنى بيضاء فأذهب العين اليمنى من رجل آخر فالمفقوءة يمناه بالخيار إن شاء أخذ عينه النّاقصة إذا كان يستطاع فيها القصاص بأن يبصر شيئاً قليلاً وإن شاء أخذ دية عينه‏.‏

وإن فقأ الأعور عيني السّالم عمداً بالقود حقّ المجنيّ عليه بأن يفقأ المماثلة من الجاني فيصيّره أعمى لبقاء سالمته، ونصف الدّية يأخذه المجنيّ عليه من الجاني بدل ما ليس لها مماثله، ولم يخيّر سالم العينين في المماثلة بحيث يكون له القصاص أو أخذ الدّية لئلاّ يلزم عليه أخذ دية ونصف، وهو خلاف ما ورد عن الشّارع صلى الله عليه وسلم، بهذا يقول المالكيّة‏.‏

ويرى القاضي من الحنابلة أنّ المجنيّ عليه مخيّر إن شاء اقتصّ ولا شيء له سوى ذلك ؛ لأنّه قد أخذ جميع بصره، فإن اختار الدّية فله دية واحدة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وفي العينين الدّية» ولأنّه لم يتعذّر القصاص فلم تتضاعف الدّية كما لو قطع الأشلّ يد صحيح أو كان رأس الشّاجّ أصغر أو يد القاطع أنقص‏.‏

و - جناية الأعور على الأعور‏:‏

11 - لو قلع الأعور العين السّليمة لمثله ففيه القصاص لتساويهما من كلّ وجه إذا كانت العين مثل العين في كونها يميناً أو يساراً، وإن عفا إلى الدّية فله جميعها‏.‏

عَوْرة

التّعريف

1 - العورة في اللّغة‏:‏ الخلل في الثّغر وفي الحرب، وقد يوصف به منكّراً، فيكون للواحد والجمع بلفظ واحد‏.‏ وفي القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً‏}‏ فهنا ورد الوصف مفرداً والموصوف جمعاً‏.‏ وتطلق على السّاعة الّتي تظهر فيها العورة عادةً للّجوء فيها إلى الرّاحة والانكشاف، وهي ساعة قبل الفجر، وساعة عند منتصف النّهار، وساعة بعد العشاء الآخر، وفي التّنزيل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ وكلّ شيء يستره الإنسان أنفةً وحياءً فهو عورة‏.‏ وهي في الاصطلاح‏:‏ ما يحرم كشفه من الجسم سواء من الرّجل أو المرأة، أو هي ما يجب ستره وعدم إظهاره من الجسم، وحدّها يختلف باختلاف الجنس وباختلاف العمر، كما يختلف من المرأة بالنّسبة للمحرم وغير المحرم على التّفصيل الّذي يأتي، وقال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ هي ما يحرم النّظر إليه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

السّتر‏:‏

2 - السّتر لغةً‏:‏ ما يستر به، والسّترة بالضّمّ مثله، ويقال لما ينصبه المصلّي قدّامه علامةً لمصلّاه من عصاً وغيرها سترة ؛ لأنّه يستر المارّ من المرور أي يحجبه، والصّلة بين العورة والسّتر أنّ السّتر مطلوب لتغطية العورة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالعورة

تتعلّق بالعورة أحكام ذكرها الفقهاء في مواطن منها‏:‏

عورة المرأة بالنّسبة للرّجل الأجنبيّ

3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ جسم المرأة كلّه عورة بالنّسبة للرّجل الأجنبيّ عدا الوجه والكفّين ؛ لأنّ المرأة تحتاج إلى المعاملة مع الرّجال وإلى الأخذ والعطاء لكن جواز كشف ذلك مقيّد بأمن الفتنة‏.‏

وورد عن أبي حنيفة القول بجواز إظهار قدميها ؛ لأنّه سبحانه وتعالى نهى عن إبداء الزّينة واستثنى ما ظهر منها‏.‏ والقدمان ظاهرتان، ويقول ابن عابدين‏:‏ إنّ ظهر الكفّ عورة ؛ لأنّ الكفّ عرفاً واستعمالاً لا يشمل ظهره‏.‏

وورد عن أبي يوسف القول بجواز إظهار ذراعيها أيضاً لأنّهما يبدوان منها عادةً‏.‏

وجاز كشف الوجه والكفّين والنّظر إليهما بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ أي مواضعها، فالكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكفّ، بدليل ما روي «أنّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما، دخلت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال‏:‏ يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفّيه»‏.‏

وقال القرطبيّ في معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا‏}‏ اختلف النّاس في قدر المستثنى فقال ابن مسعود‏:‏ ظاهر الزّينة هو الثّياب، وزاد ابن جبير الوجه، وقال سعيد بن جبير أيضاً وعطاء والأوزاعيّ‏:‏ الوجه والكفّان والثّياب، وقال ابن عبّاس وقتادة والمسور بن مخرمة‏:‏ ظاهر الزّينة هو الكحل والسّوار والخضاب إلى نصف الذّراع والقرط والفتخ‏.‏

وذكر الطّبريّ حديثاً عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلاّ وجهها، وإلاّ ما دون هذا، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكفّ مثل قبضة أخرى»‏.‏

وقال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ وشرط السّاتر منع إدراك لون البشرة لا حجمها، فلا يكفي ثوب رقيق ولا مهلهل لا يمنع إدراك اللّون‏.‏

وظاهر مذهب أحمد بن حنبل أنّ كلّ شيء من المرأة عورة بالنّسبة للأجنبيّ عنها حتّى ظفرها، وروي عن الإمام أحمد أنّه قال‏:‏ إنّ من يُبِينُ زوجته لا يجوز أن يأكل معها لأنّه مع الأكل يرى كفّها، وقال القاضي من الحنابلة‏:‏ يحرم نظر الأجنبيّ إلى الأجنبيّة ما عدا الوجه والكفّين، ويباح له النّظر إلى هذين العضوين مع الكراهة عند أمن الفتنة‏.‏

وممّا يحتجّ به للحرمة ما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ «يا عليّ لا تتبع النّظرة النّظرة فإنّ لك الأولى، وليست لك الآخرة» وما ورد من «أنّ الفضل بن عبّاس رضي الله عنهما كان رديف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الحجّ فجاءته الخثعميّة تستفتيه، فأخذ الفضل ينظر إليها وتنظر هي إليه، فصرف عليه الصلاة والسلام وجه الفضل عنها»‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ العجوز الّتي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنّظر إلى ما يظهر منها غالباً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً‏}‏ وفي معنى العجوز الشّوهاء الّتي لا تشتهى، ومن ذهبت شهوته من الرّجال لكبر أو عنّة أو مرض لا يرجى برؤه والخصيّ والشّيخ والمخنّث الّذي لا شهوة له فحكمه حكم ذوي المحارم في النّظر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ‏}‏‏.‏

وعند الشّافعيّة حكمه حكم الأجنبيّ، إذ يحرم عليه النّظر حتّى إلى الوجه والكفّين عند خوف الفتنة‏.‏

وقال الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ ظهور المرأة بالزّينة للصّغير الّذي لم يظهر على عورات النّساء، والّذي لا يعرف العورة من غير العورة لا بأس به لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء‏}‏، وأمّا الّذي يعرف التّمييز بين العورة وغيرها وقارب الحلم فلا يجوز لها إبداء زينتها له‏.‏

وقال الفقهاء‏:‏ من أراد خطبة امرأة فله أن ينظر إليها سواء أذنت هي أو وليّها به أم لم يأذنا به، لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما خطب امرأةً‏:‏ «انظر إليها، فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما»‏.‏

وللمرأة أيضاً النّظر إلى ما هو غير عورة من الرّجل إن أرادت الاقتران به‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏خطبة ف /26، 29‏)‏‏.‏

أمّا صوت المرأة فليس بعورة عند الشّافعيّة، ويجوز الاستماع إليه عند أمن الفتنة، وقالوا‏:‏ وندب تشويهه إذا قرع بابها فلا تجيب بصوت رخيم‏.‏

عورة المرأة المسلمة بالنّسبة للأجنبيّة الكافرة

4 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ‏"‏ إلى أنّ المرأة الأجنبيّة الكافرة كالرّجل الأجنبيّ بالنّسبة للمسلمة، فلا يجوز أن تنظر إلى بدنها، وليس للمسلمة أن تتجرّد بين يديها، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ‏}‏ أي النّساء المسلمات فلو جاز نظر المرأة الكافرة لما بقي للتّخصيص فائدة، وقد صحّ عن عمر رضي الله عنه الأمر بمنع الكتابيّات من دخول الحمّام مع المسلمات‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة أنّه يجوز أن ترى الكافرة من المسلمة ما يبدو منها عند المهنة، وفي رأي آخر عندهم أنّه يجوز أن ترى منها ما تراه المسلمة منها وذلك لاتّحاد الجنس كالرّجال‏.‏

والمذهب عند الحنابلة أنّه لا فرق بين المسلمة والذّمّيّة ولا بين المسلم والذّمّيّ في النّظر، وقال الإمام أحمد في رواية عنه‏:‏لا تنظر الكافرة إلى الفرج من المسلمة ولا تكون قابلةً لها‏.‏ وفي رواية أخرى عنه أنّ المسلمة لا تكشف قناعها عند الذّمّيّة ولا تدخل معها الحمّام‏.‏

عورة المرأة بالنّسبة للمرأة المسلمة

5 - ذهب الفقهاء إلى أنّ عورة المرأة بالنّسبة للمرأة هي كعورة الرّجل إلى الرّجل، أي ما بين السّرّة والرّكبة، ولذا يجوز لها النّظر إلى جميع بدنها عدا ما بين هذين العضوين، وذلك لوجود المجانسة وانعدام الشّهوة غالباً، ولكن يحرم ذلك مع الشّهوة وخوف الفتنة‏.‏

عورة المرأة بالنّسبة للمحارم

6 - المراد بمحرم المرأة من يحرم عليه نكاحها على وجه التّأبيد لنسب أو سبب‏"‏ مصاهرة‏"‏ أو رضاع‏.‏

قال المالكيّة والحنابلة في المذهب‏:‏ إنّ عورة المرأة بالنّسبة إلى رجل محرم لها هي غير الوجه والرّأس واليدين والرّجلين، فيحرم عليها كشف صدرها وثدييها ونحو ذلك عنده، ويحرم على محارمها كأبيها رؤية هذه الأعضاء منها وإن كان من غير شهوة وتلذّذ‏.‏

وذكر القاضي من الحنابلة أنّ حكم الرّجل مع ذوات محارمه هو كحكم الرّجل مع الرّجل والمرأة مع المرأة‏.‏

وعورة المرأة بالنّسبة لمن هو محرم لها عند الحنفيّة هي ما بين سرّتها إلى ركبتها، وكذا ظهرها وبطنها، أي يحلّ لمن هو محرّم لها النّظر إلى ما عدا هذه الأعضاء منها عند أمن الفتنة وخلوّ نظره من الشّهوة، والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ‏}‏ والمراد بالزّينة مواضعها لا الزّينة نفسها لأنّ النّظر إلى أصل الزّينة مباح مطلقاً، فالرّأس موضع التّاج، والوجه موضع الكحل، والعنق والصّدر موضعا القلادة والأذن موضع القرط، والعضد موضع الدّملوج، والسّاعد موضع السّوار، والكفّ موضع الخاتم، والسّاق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب، بخلاف الظّهر والبطن والفخذ لأنّها ليست بموضع للزّينة، ولأنّ الاختلاط بين المحارم أمر شائع ولا يمكن معه صيانة مواضع الزّينة عن الإظهار والكشف‏.‏

وكلّ ما جاز النّظر إليه منهنّ دون حائل جاز لمسه عند أمن الفتنة وإلاّ لم يجز، وكذلك الأمر بالنّسبة للخلوة بإحداهنّ منفردين تحت سقف واحد، فالرّسول صلى الله عليه وسلم كان يقبّل فاطمة رضي الله عنها‏.‏

ولم يجز للرّجل النّظر إلى ظهر أو بطن أو فخذ من هي محرم له فضلاً عن حرمة النّظر إلى ما بين سرّتها وركبتها، كما لم يحلّ لمس أيّ من هذه الأعضاء لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ‏}‏ ؛ ولأنّه سبحانه وتعالى جعل الظّهار منكراً من القول وزوراً، وهو - أي الظّهار - تشبيه الزّوجة بظهر الأمّ في حقّ الحرمة، ولو لم يكن النّظر إلى ظهر الأمّ وبطنها أو لمسها حراماً لم يكن الظّهار منكراً من القول وزوراً‏.‏

وكلّ ما يحلّ للرّجل من النّظر واللّمس من ذوات محارمه يحلّ مثله لها بالنّسبة لمن هو محرم لها، وكلّ ما يحرم عليه يحرم عليها‏.‏

والشّافعيّة يرون جواز نظر الرّجل إلى ما عدّا ما بين السّرّة والرّكبة من محارمه من النّساء من نسب أو رضاع أو مصاهرة صحيحة، وقيل‏:‏ يحلّ له النّظر فقط إلى ما يظهر منها عادةً في العمل داخل البيت، أي إلى الرّأس والعنق واليد إلى المرفق والرّجل إلى الرّكبة‏.‏

وهم يقرّرون هذين الاتّجاهين أيضاً بالنّسبة لنظرها إلى من هو محرم لها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الكافر محرم لقريبته المسلمة لأنّ أبا سفيان أتى المدينة وهو مشرك فدخل على ابنته أمّ حبيبة فطوت فراش النّبيّ صلى الله عليه وسلم لئلاّ يجلس عليه، ولم تحتجب منه ولا أمرها بذلك الرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

عورة الأمة بالنّسبة للرّجل الأجنبيّ

7 - اختلف الفقهاء في عورة الأمة بالنّسبة للرّجل الأجنبيّ‏.‏

فقال المالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ إنّ عورتها هي ما بين سرّتها وركبتها‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ عورتها مثل عورة الحرّة بالنّسبة لمحارمها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إنّ عورتها كعورة الحرّة لا يجوز أن ينظر منها إلاّ ما يجوز النّظر إليه من الحرّة‏.‏

عورة الرّجل بالنّسبة للرّجل

8 - عورة الرّجل بالنّسبة إلى رجل آخر - سواء كان قريباً له أو أجنبيّاً عنه - هي ما بين سرّته إلى ركبته عند الحنفيّة، ويستدلّون بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «ما تحت السّرّة عورة» والسّرّة عندهم ليست بعورة استدلالاً بما روي أنّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما أبدى سرّته فقبّلها أبو هريرة رضي الله عنه، ولكنّ الرّكبة عورة عندهم، بدليل ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «الرّكبة من العورة»‏.‏

وما جاز نظره من الرّجل بالنّسبة للرّجل جاز لمسه‏.‏

والشّافعيّة والحنابلة في المذهب يرون أنّ الرّكبة والسّرّة ليستا من العورة في الرّجل، وإنّما العورة ما بينهما فقط‏.‏

لما روي عن أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ما فوق الرّكبتين من العورة، وما أسفل السّرّة وفوق الرّكبتين من العورة»‏.‏

والرّواية الأخرى عند الحنابلة أنّها الفرجان استدلالاً بما روى أنس رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم حسر يوم خيبر الإزار عن فخذه حتّى أنّي لأنظر إلى بياض فخذه عليه الصلاة والسلام»‏.‏

وجواز نظر الرّجل من الرّجل إلى ما هو غير عورة منه مشروط بعدم وجود الشّهوة وإلاّ حرم‏.‏

ويرى المالكيّة في المشهور عندهم أنّ عورة الرّجل بالنّسبة للرّجل ما بين السّرّة والرّكبة، وعليه فإنّ الفخذ عورة لا يجوز النّظر إليها في المشهور عندهم، وقيل‏:‏ لا يحرم وإنّما يكره، وقيل‏:‏ يكره عند من يستحيى منه، بدليل «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كشف فخذه عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما‏.‏ ولمّا دخل عثمان رضي الله عنه ستره وقال‏:‏ ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة»‏.‏

عورة الرّجل بالنّسبة للأجنبيّة

9 - اختلف الفقهاء في عورة الرّجل بالنّسبة للأجنبيّة‏.‏

فيرى الحنفيّة أنّ لها النّظر إلى ما عدا ما بين السّرّة إلى الرّكبة إن أمنت على نفسها الفتنة‏.‏ والمالكيّة يرون أنّ لها النّظر إلى ما يراه الرّجل من محرمه وهو الوجه والأطراف عند أمن الفتنة‏.‏

أمّا الشّافعيّة فلا يجيزون لها النّظر إلى ما هو عورة وإلى ما هو غير عورة منه من غير سبب، بدليل عموم آية‏:‏ ‏{‏وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ‏}‏ وبدليل ما روت أمّ سلمة رضي الله عنها قالت «كنت عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أمّ مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ احتجبا منه فقلنا‏:‏ يا رسول اللّه أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ‏؟‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه»‏.‏

والقول الرّاجح عند الحنابلة يجيز نظر المرأة إلى ما ليس بعورة من الأجنبيّ، لحديث عائشة رضي الله عنها «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد»‏.‏

عورة الصّغير والصّغيرة

10 - يرى الحنفيّة أن لا عورة للصّغير والصّغيرة جدّاً، وحدّد بعضهم هذا الصّغر بأربع سنوات فما دونها، ثمّ إلى عشر سنين يعتبر في عورته ما غلظ من الكبير، وتكون عورته بعد العشر كعورة البالغين، ونقل ابن عابدين أنّه ينبغي اعتبار السّبع، لأمرهما بالصّلاة إذا بلغا هذه السّنّ‏.‏

ويرى المالكيّة أنّ الصّغير ابن ثمان سنوات فأقلّ لا عورة له، فللمرأة النّظر إلى جميع بدنه حيّاً وأن تغسّله ميّتاً، ولها النّظر إلى جميع بدن من هو بين التّاسعة والثّانية عشرة ولكن ليس لها غسله، والبالغ ثلاث عشرة سنةً فما فوق عورته كعورة الرّجل‏.‏

أمّا الصّغيرة فهي إلى سنّ السّنتين وثمانية أشهر فلا عورة لها إذا كانت رضيعةً، وأمّا غير الرّضيعة إن كانت لم تبلغ حدّ الشّهوة فلا عورة لها بالنّسبة للنّظر، أمّا بالنّسبة للمسّ فعورتها كعورة المرأة فليس للرّجل أن يغسّلها، أمّا المشتهاة فعورتها كعورة المرأة بالنّسبة للنّظر والتّغسيل‏.‏

وعورة الصّغير في الصّلاة السّوأتان والعانة والأليتان، فيندب له سترها، أمّا عورة الصّغيرة فهي بين السّرّة والرّكبة، وما زاد على ذلك ممّا يجب ستره على الحرّة فمندوب لها فقط‏.‏

والأصحّ عند الشّافعيّة حلّ النّظر إلى صغيرة لا تشتهى لأنّها ليست مظنّة الشّهوة، إلاّ الفرج فلا يحلّ النّظر إليه، وفرج الصّغير كفرج الصّغيرة على المعتمد، واستثنى ابن القطّان الأمّ زمن الرّضاع والتّربية للضّرورة، وينبغي أن تكون المرضعة غير الأمّ كالأمّ والأصحّ أنّ الصّبيّ المراهق في نظره للأجنبيّة كالرّجل البالغ الأجنبيّ، فلا يجوز للمرأة أن تبرز له لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء‏}‏، ومقابل الأصحّ أنّه معها كالبالغ من ذوي محارمها، وأمّا غير المراهق فإن لم يبلغ حدّاً يحكي ما يراه فكالعدم، أو بلغه من غير شهوة كالمحرم، أو بشهوة فكالبالغ، وقالوا‏:‏ إنّ عورة الصّغير في الصّلاة ذكراً كان أو أنثى، مراهقاً كان أو غير مراهق كعورة المكلّف في الصّلاة‏.‏

والحنابلة قالوا‏:‏ إنّ الصّغير الّذي هو أقلّ من سبع سنين لا عورة له، فيجوز النّظر إلى جميع بدنه ومسّه، ومن زاد عن ذلك إلى ما قبل تسع سنين فإن كان ذكراً فعورته القبل والدّبر في الصّلاة وخارجها، وإن كان أنثى فعورتها ما بين السّرّة والرّكبة بالنّسبة للصّلاة‏.‏ وأمّا خارجها فعورتها بالنّسبة للمحارم هي ما بين السّرّة والرّكبة، وبالنّسبة للأجانب من الرّجال جميع بدنها إلاّ الوجه والرّقبة والرّأس واليدين إلى المرفق والسّاق والقدم‏.‏

عورة كلّ من الزّوجين بالنّسبة للآخر

11 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه ليس أي جزء من بدن الزّوجة عورةً بالنّسبة للزّوج وكذلك أي جزء من بدنه بالنّسبة لها، وعليه يحلّ لكلّ واحد منهما النّظر إلى جميع جسم الآخر ومسّه حتّى الفرج ؛ لأنّ وطأها مباح، فيكون نظر كلّ منهما إلى أيّ جزء من أجزاء الآخر مباحاً بشهوة وبدون شهوة بطريق الأولى، والأصل فيه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏}‏ وما ورد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال‏:‏ «قلت‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر‏؟‏ قال‏:‏ احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك»‏.‏

لكنّ الشّافعيّة والحنابلة قالوا‏:‏ يكره نظر كلّ منهما إلى فرج الآخر، ونصّ الشّافعيّة على أنّ النّظر إلى باطن الفرج أشدّ كراهةً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ من الأدب أن يغضّ كلّ من الزّوجين النّظر عن فرج صاحبه، واستدلّوا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال «إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرّد تجرّد العيرين»‏.‏

عورة الخنثى المشكل

12 - الخنثى المشكل الرّقيق عند الحنفيّة كالأمة، والحرّ كالحرّة، أي فيما هو عورة منها وفيما هو ليس بعورة، قال ابن عابدين‏:‏ ينبغي أن لا تكشف الخنثى للاستنجاء ولا للغسل عند أحد أصلاً ؛ لأنّها إن كشفت عند رجل احتمل أنّها أنثى، وإن كشفت عند أنثى احتمل أنّها ذكر‏.‏

والشّافعيّة يرون أنّ الخنثى المشكل يعامل بأشدّ الاحتمالين، فيجعل مع النّساء رجلاً ومع الرّجال امرأةً، ولا يجوز أن يخلو به أجنبيّ ولا أجنبيّة، وإن كان مملوكاً لامرأة فهو معها كعبدها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الخنثى المشكل كالرّجل، لأنّ ستر ما زاد على عورة الرّجل محتمل فلا نوجب عليه حكماً بأمر محتمل متردّد فيه، والعورة الفرجان اللّذان في قبله لأنّ أحدهما فرج حقيقيّ، وليس يمكنه تغطيته يقيناً إلاّ بتغطيتهما، فوجب عليه ذلك كما يجب ستر ما قرب من الفرجين ضرورة سترهما‏.‏

العورة في الصّلاة

13 - يجب ستر العورة في الصّلاة لكلا الجنسين في حال توفّر السّاتر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏ قال ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ المراد بالزّينة في الآية الثّياب في الصّلاة‏.‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار»، أي البالغة، والثّوب الرّقيق الّذي يصف ما تحته من العورة لا تجوز الصّلاة فيه لانكشاف العورة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة ف /12‏)‏‏.‏

ما تستره المرأة في الإحرام

14 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المرأة ما دامت محرمةً ليس لها أن تغطّي وجهها إذ ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفاً عليه‏:‏ إحرام الرّجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها‏.‏ وليس لها أن تلبس القفّازين‏.‏ والتّفصيل ينظر في ‏(‏إحرام /67 - 68‏)‏‏.‏

لمس الأجنبيّ أو الأجنبيّة

15 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز مسّ الرّجل شيئاً من جسد المرأة الأجنبيّة الحيّة، سواء أكانت شابّةً أم عجوزاً، لما ورد «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم تمسّ يده يد امرأة قطّ»‏.‏ ولأنّ المسّ أبلغ من النّظر في اللّذّة وإثارة الشّهوة‏.‏ ووافقهم الحنفيّة في حكم لمس الأجنبيّة الشّابّة، وقالوا‏:‏ لا بأس بمصافحة العجوز ومسّ يدها لانعدام خوف الفتنة‏.‏

عورة الميّت‏:‏

16 - ذهب الفقهاء إلى أنّ عورة الميّت يحرم النّظر إليها كحرمة النّظر إلى عورة الحيّ «لقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه‏:‏ لا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميّت»‏.‏

أمّا لمس الميّت لتغسيله فينظر في مصطلح ‏(‏تغسيل الميّت ف /11 وما بعدها‏)‏‏.‏

النّظر إلى العورة لتحمّل الشّهادة‏:‏

17 - يصرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بجواز النّظر إلى وجه المرأة الأجنبيّة عند الشّهادة وعند البيع والشّراء، وكذلك لها النّظر‏.‏

قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ يجوز النّظر للشّهادة تحمّلاً وأداءً، هذا كلّه إن لم يخف الفتنة فإن خافها لم ينظر إلاّ إن تعيّن عليه فينظر ويضبط نفسه، كما يجوز النّظر إلى الفرج للشّهادة على الزّنى والولادة، وإلى الثّدي للشّهادة على الرّضاع‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ وللشّاهد النّظر إلى وجه المشهود عليها لتكون الشّهادة واقعةً على عينها، قال أحمد‏:‏ لا يشهد على امرأة إلاّ أن يكون قد عرفها بعينها، وإن عامل امرأةً في بيع أو إجارة فله النّظر إلى وجهها ليعلمها بعينها، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حقّ الشّابّة دون العجوز، ولعلّه كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة، فأمّا مع الحاجة وعدم الشّهوة فلا بأس‏.‏

ويصرّح الحنفيّة أنّه يجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم على امرأة، وللشّاهد إذا أراد أن يشهد عليها النّظر إلى وجهها وإن خاف الاشتهاء، للحاجة إلى إحياء الحقوق عن طريق القضاء وأداء الشّهادة‏.‏

أمّا النّظر لتحمّل الشّهادة فقيل يباح وإن أدّى إلى الاشتهاء، والأصحّ أنّه لا يباح لانتفاء الضّرورة، إذ يوجد من يؤدّيها دون الاشتهاء بخلاف حالة الأداء وفي حالة الزّنى تنهض الحاجة للنّظر إلى العورة الغليظة لتحمّل الشّهادة ثمّ أدائها، إذ لا يمكن الشّهادة على الزّنى بدون النّظر إلى هذه العورة، والحرمة تسقط لمكان الضّرورة‏.‏

كشف العورة للحاجة الملجئة

18 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجوز عند الحاجة الملجئة كشف العورة من الرّجل أو المرأة، لأيّ من جنسهما أو من الجنس الآخر، وقالوا‏:‏ إنّه يجوز للقابلة النّظر إلى الفرج عند الولادة أو لمعرفة البكارة في امرأة العنّين أو نحوها، ويجوز للطّبيب المسلم إن لم توجد طبيبة أن يداوي المريضة الأجنبيّة المسلمة، وينظر منها ويلمس ما تلجئ الحاجة إلى نظره أو لمسه، فإن لم توجد طبيبة ولا طبيب مسلم جاز للطّبيب الذّمّيّ ذلك‏.‏

ويجوز للطّبيبة أن تنظر وتلمس من المريض ما تدعو الحاجة الملجئة إلى نظره إن لم يوجد طبيب يقوم بمداواة المريض‏.‏

واستدلّوا بما ورد عن عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه أنّه أتي بغلام قد سرق فقال‏:‏ انظروا إلى مؤتزره، فنظروا ولم يجدوه أنبت الشّعر فلم يقطعه‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجوز نظر الطّبيب إلى محلّ المرض من المرأة الأجنبيّة إذا كان في الوجه أو اليدين، قيل ولو بفرجها للدّواء، كما يجوز للقابلة نظر الفرج، قال التّتّائيّ‏:‏ ولي فيه وقفة، إذ القابلة أنثى وهي يجوز لها نظر فرج الأنثى إذا رضيت‏.‏

كشف العورة عند الاغتسال

19 - ذهب الفقهاء إلى جواز كشف العورة عند الاغتسال في حال الانفراد‏.‏

واستدلّوا بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسل وحده‏.‏‏.‏‏.‏»‏.‏

أمّا في غير هذه الحالة فينظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏استتار ف /8 وما بعدها‏)‏‏.‏

السّلام على مكشوف العورة‏:‏

20 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يكره السّلام على مكشوف العورة ولو كان الانكشاف لضرورة، وأنّه لا يسلّم على من يقضي حاجته، وإن سلّم عليه أحد فلا يردّ عليه لما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رجلاً مرّ على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلّم عليه فلم يردّ عليه صلى الله عليه وسلم»‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏سلام ف /17‏)‏‏.‏

الإنكار على مكشوف العورة

21 - قال ابن عابدين‏:‏ لو رأى شخص غيره مكشوف الرّكبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لجّ، وفي الفخذ يعنّفه إن قدر على ذلك‏.‏ ولا يضربه إن لجّ، وفي السّوأة يؤدّبه إن لجّ‏.‏ وقال ابن تيميّة يلزمه الإنكار على مكشوف العورة ؛ إذ هو من الأمر بالمعروف‏.‏

عِوَض

التّعريف

1 - العِوَض مصدر عاضه عوضاً وعياضاً ومَعْوضَةً وهو البدل، تقول‏:‏ عضت فلاناً وأعضته وعوّضته‏:‏ إذا أعطيته بدل ما ذهب منه، وتعوّض منه واعتاض‏:‏ أخذ العوض واعتاضه منه واستعاضه وتعوّضه‏:‏ سأله العوض، والجمع أعواض‏.‏

والعِوَض في اصطلاح الفقهاء هو مطلق البدل، وهو ما يبذل في مقابلة غيره‏.‏

ومن إطلاقات العِوَض ثواب الآخرة‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الثّمن‏:‏

2 - الثّمن‏:‏ ما تستحقّ به الشّيء، وثمن كلّ شيء قيمته، والثّمن‏:‏ العوض، والجمع أثمان وأثمن‏.‏

وقال صاحب المغرب‏:‏ الثّمن اسم لما هو عوض من المبيع، فالثّمن أخصّ من العوض‏.‏

الحكم التّكليفيّ

3 - الحكم التّكليفيّ للعوض يدور بين الوجوب والحرمة، فهو واجب في بعض التّصرّفات ومحرّم في بعض التّصرّفات‏.‏

فيجب أداء العوض في عقد البيع إلاّ أن يذكر المتبايعان له أجلاً فيكون إلى أجله‏.‏

‏(‏ر‏:‏ بيع ف /61‏)‏‏.‏

وهذا إذا كان العوض من النّقدين، فإن كان عيناً، قال ابن رشد الحفيد‏:‏ أجمعوا على أنّه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، ومن شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصّفقة‏.‏ ويجب على المؤجّر في عقد الإجارة تسليم العين للمستأجر وتمكينه من الانتفاع بها، كما يجب على المستأجر دفع الأجرة للمؤجّر وتسليمها عند تسلّمه للعين‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إجارة /45 - 48‏)‏‏.‏

ويجب على الزّوج أداء المهر المسمّى لزوجته، لقول اللّه تعالى ‏{‏وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ ويجب على من أتلف شيئاً الضّمان بردّ مثله إن كان مثليّاً وقيمته إن كان قيميّاً‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ضمان ف /6‏)‏‏.‏

ويجب على من جنى على شخص الدّية إذا تحقّق شروط وجوبها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ديات ف /12‏)‏‏.‏ وقد يكون العوض محرّماً وذلك عند فقد شرط من شروط صحّته، كما في بيع الرّبويّات من الجنس الواحد إذا حصل فيها تفاضل عند بيع بعضها ببعض، كبيع درهم بدرهمين نقداً، أو بيع صاع قمح بصاعين من القمح ونحو ذلك‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ رباب ف /14‏)‏‏.‏

وقد اعتبر جمهور الفقهاء الأعواض في عقود المعاوضات من أركان العقد‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /10، وبيع ف /18‏)‏‏.‏

أنواع العوض

ينقسم العوض إلى عدّة أنواع باعتبارات مختلفة‏:‏

4 - فينقسم باعتبار الحكم الشّرعيّ إلى ما يصحّ أن يكون عوضاً وما لا يصحّ، فما يصحّ أن يكون عوضاً هو‏:‏ ما كان مستوفياً لشروطه الشّرعيّة، وما لا يصحّ هو‏:‏ ما اختلّت فيه شروطه الشّرعيّة أو بعضها‏.‏

فمن الأعواض الّتي لا تصحّ في عقد البيع الدّم والميتة، والكلب والخنزير والخمر والمتنجّس الّذي لا يمكن تطهيره، والأصل فيه ما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن ثمن الكلب»، وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلّم «إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام»‏.‏ قال الشّربينيّ الخطيب‏:‏ وقيس بها ما في معناها‏.‏ وممّا لا يصحّ أن يكون عوضاً في عقد الإجارة الأشجار لتجفيف الثّياب عليها والمصحف للنّظر فيه والقراءة منه كما يقول الحنفيّة، وكذا الشّجر لأخذ ثمرته والشّاة لأخذ لبنها كما يقول المالكيّة‏.‏

وممّا لا يصحّ عوضاً في عقد النّكاح جعل البضع مهراً، وهو ما يسمّى بنكاح الشّغار، وهو أن يزوّج الرّجل وليّته على أن يزوّجه الآخر وليّته على أنّ مهر كلّ منهما بضع الأخرى‏.‏

‏(‏ر‏:‏ شغار ف /2 وما بعدها‏)‏‏.‏

5 - وينقسم العوض باعتبار الماليّة وعدمها إلى عوض ماليّ وعوض غير ماليّ‏.‏

وقد مثّل الفقهاء للعوض غير الماليّ بعدّة أمثلة نذكر منها ما يلي‏:‏

قال ابن عابدين معلّقاً على مسألة استبدال مال التّجارة بغير مال التّجارة في الزّكاة‏:‏ شمل ما لو استبدله بعوض ليس بمال أصلاً بأن تزوّج عليه امرأةً أو صالح به عن دم العمد أو اختلعت به المرأة‏.‏

وأمّا العوض الماليّ فهو‏:‏ العوض القائم بالمال، والمال كما قال الحنفيّة‏:‏ ما يميل إليه الطّبع ويمكن ادّخاره لوقت الحاجة‏.‏

6- وينقسم العوض أيضاً باعتبار ذاته إلى عين ودين ومنفعة وحقّ وتنظر في مصطلحاتها‏.‏

شروط العوض

7 - وضع الشّارع للعوض شروطاً معيّنةً حتّى يصحّ كونه عوضاً ويجري عليه التّعاقد والتّبادل‏.‏

وهذه الشّروط تختلف باختلاف التّصرّفات‏.‏

ففي عقد البيع هناك شروط خاصّة بالمبيع وشروط خاصّة بالثّمن يجب مراعاتها حتّى يصحّ عقد البيع‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ بيع ف /28 وما بعدها - 50‏)‏‏.‏

وإذا كانت هذه الأعواض تجري فيها علّة الرّبا فهناك شروط أخرى يجب مراعاتها ليصحّ العقد‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ رباً ف /26‏)‏‏.‏

ونصّ الفقهاء على شروط معيّنة للمنفعة المعقود عليها والأجرة في عقد الإجارة ليصحّ العقد عليها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /27 وما بعدها‏)‏‏.‏

وليس كلّ شيء يصحّ أن يكون صداقاً للمرأة في عقد النّكاح، فهناك شروط في الصّداق ليصحّ كونه صداقاً، قال النّوويّ‏:‏ وما صحّ مبيعاً صحّ صداقاً، وقال الحنفيّة‏:‏ أقلّه عشرة دراهم‏.‏

والدّيات محدّدة ومقدّرة شرعاً من ناحية العدد والمال الّذي تجب فيه‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ديات ف /29‏)‏‏.‏

أسباب ثبوت العوض

أ - عقود المعاوضات‏:‏

8 - إذا تمّت عقود المعاوضات مستوفيةً لشروطها الشّرعيّة فإنّه يثبت للمتعاقدين البدلان اللّذان تمّ الاتّفاق عليهما‏.‏

ففي عقد البيع مثلاً إذا انعقد صحيحاً مستوفياً لشروطه فإنّه يثبت المبيع للمشتري والثّمن للبائع، قال الكاسانيّ‏:‏ الحكم الأصليّ للبيع هو ثبوت الملك للمشتري في البيع وللبائع في الثّمن للحال‏.‏

ويقول ابن عابدين‏:‏ وحكمه - أي البيع - ثبوت الملك في البدلين لكلّ منهما، وكذا إذا وقعت الإجارة صحيحةً ترتّب عليها حكمها وهو ثبوت الملك في المنفعة للمستأجر، وفي الأجرة المسمّاة للمؤجّر‏.‏

قال الكاسانيّ معلّلاً ذلك‏:‏ لأنّها عقد معاوضة إذ هي بيع المنفعة، والبيع عقد معاوضة فيقتضي ثبوت الملك في العوضين‏.‏

ويقول الشّربينيّ الخطيب‏:‏ كما يملك المؤجّر الأجرة بالعقد يملك المستأجر المنفعة المعقود عليها، وتحدث في ملكه بدليل جواز تصرّفه فيها في المستقبل‏.‏

وكذلك في عقد السّلم إذا قبض المسلّم إليه رأس المال كان له أن يتصرّف فيه بكلّ التّصرّفات السّائغة شرعاً لأنّه ملكه وتحت يده‏.‏ ويملك ربّ السّلم المسلم فيه أيضاً بمقتضى العقد، وفي جواز التّصرّف في المسلم فيه قبل القبض تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏سلم ف /29 وما بعدها‏)‏‏.‏

ب - عقد النّكاح‏:‏

9 - عقد النّكاح الصّحيح يترتّب عليه وجوب المهر للزّوجة، وحلّ الاستمتاع بها للزّوج، فكلّ منهما عوض عن الآخر‏.‏

يقول الكاسانيّ‏:‏ المهر في النّكاح الصّحيح يجب بالعقد لأنّه إحداث الملك، والمهر يجب بمقابلة إحداث الملك ؛ ولأنّه عقد معاوضة وهو معاوضة البضع بالمهر فيقتضي وجوب العوض كالبيع‏.‏ ويقول ابن رشد‏:‏ لا يحلّ استباحة الفرج إلاّ بعقد النّكاح، ولا يكون النّكاح إلاّ بصداق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ وقال البهوتيّ‏:‏ المعقود عليه في عقد النّكاح منفعة الاستمتاع لا ملك المنفعة، والصّداق هو العوض في النّكاح‏.‏

ج - الجنايات‏:‏

10 - الجناية هي كلّ فعل محظور يتضمّن ضرراً على النّفس أو غيرها‏.‏

والجناية قد تكون سبباً لثبوت العوض على الجاني أو عاقلته، ففي القتل العمد تجب الدّية مغلّظةً على القاتل إذا سقط القصاص بسبب من أسباب سقوطه كالعفو، وفي القتل شبه العمد تجب الدّية مغلّظةً على عاقلة الجاني‏.‏ وفي القتل الخطأ تجب الدّية على عاقلة الجاني مؤجّلةً في ثلاث سنين، ومثله القتل بالتّسبّب عند الحنفيّة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ ديات‏:‏ ف /8، 12‏)‏‏.‏

كذلك تجب الدّية في الاعتداء على ما دون النّفس، والاعتداء قد يكون بإبانة الأطراف أو إتلاف المعاني أو الشّجاج والجروح‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ديات‏:‏ ف /34 وما بعدها‏)‏‏.‏

والدّية ما هي إلاّ عوض لما تسبّب به الجاني‏.‏

د - الإتلافات‏:‏

11 - من أسباب ثبوت العوض الإتلافات‏.‏ حيث يجب على المتلف عوض ما أتلفه وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بالضّمان، وقد صرّح الفقهاء بكون الإتلاف سبباً لوجوب الضّمان‏.‏

ففي الفروق للقرافيّ‏:‏ أسباب الضّمان ثلاثة‏:‏ أحدها‏:‏ التّفويت مباشرةً كإحراق الثّوب وقتل الحيوان وأكل الطّعام ونحو ذلك، وثانيها‏:‏ التّسبّب للإتلاف كحفر بئر في موضع لم يؤذن فيه ووضع السّموم في الأطعمة ووقود النّار بقرب الزّرع ونحو ذلك ممّا شأنه في العادة أن يفضي غالباً للإتلاف‏.‏

وقال السّيوطيّ‏:‏ أسباب الضّمان أربعة‏.‏‏.‏‏.‏ الثّالث‏:‏ الإتلاف نفساً أو مالاً‏.‏

وقال ابن رجب‏:‏ أسباب الضّمان ثلاثة‏:‏ عقد ويد وإتلاف، والمراد بالإتلاف أن يباشر الإتلاف بسبب يقتضيه كالقتل والإحراق، أو ينصب سبباً عدواناً فيحصل به الإتلاف بأن يحفر بئراً في غير ملكه أو يؤجّج ناراً في يوم ريح عاصف، فيتعدّى إلى إتلاف مال الغير، أو كان الماء محتبساً بشيء وعادته الانطلاق فيزيل احتباسه، وسواء كان له اختيار في انطلاقه أو لم يكن‏.‏

والضّمان كما في المجلّة‏:‏ هو إعطاء مثل الشّيء إن كان من المثليّات وقيمته إن كان من القيميّات‏.‏

هـ - تفويت البضع‏:‏

12 - صرّح الفقهاء بأنّه إذا فوّت إنسان على امرأة منفعة بضعها بنكاح فاسد أو وطء بشبهة فإنّه يجب عليه مهر مثلها بالغاً ما بلغ عوضاً لما فوّته‏.‏ ففي متن تنوير الأبصار‏:‏ ويجب مهر المثل في نكاح فاسد‏.‏

وقال الدّردير‏:‏ وضمن الغاصب منفعة البضع بالتّفويت، فعليه في وطء الحرّة صداق مثلها ولو ثيّباً، وفي وطء الأمة ما نقصها‏.‏

ويقول الشّربينيّ الخطيب‏:‏ ولا تضمن منفعة البضع إلاّ بتفويت بالوطء فيضمنه بمهر المثل‏.‏ ومثل ذلك عند الحنابلة، قال البهوتيّ‏:‏ يجب مهر المثل للموطوءة بشبهة كمن وطئ امرأةً ليست زوجةً له ولا مملوكةً يظنّها زوجته أو مملوكته‏.‏

و - عقد الجزية‏:‏

13 - الجزية‏:‏ اسم لما يؤخذ من أهل الذّمّة سواء بالتّراضي أو بالقهر والغلبة وفتح البلاد عنوةً‏.‏

واختلف الفقهاء في حقيقة الجزية هل هي عقوبة أم عوض أم صلة ‏؟‏

فذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الجزية تجب على أهل الذّمّة عوضاً عن معوّض، على خلاف بينهم في ذلك المعوّض الّذي تجب الجزية بدلاً عنه‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏جزية ف /19‏)‏‏.‏

ز - تلف الزّكاة والأضحيّة‏:‏

14 - اختلف الفقهاء في وجوب الضّمان على المزكّي إذا تلف مال الزّكاة، فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الزّكاة لا تسقط بتلف المال بعد الحول، ويجب على المزكّي الضّمان أي إخراج بدلها، وذلك لأنّها مال وجب في الذّمّة، فلم يسقط بتلف النّصاب كالدّين‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى سقوط الزّكاة بتلف المال بعد الحول ولا ضمان على المزكّي‏.‏

وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلف ف /4‏)‏‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ تلف المال بعد وجوب زكاة الفطر وبعد التّمكّن من أدائها لا يسقطها بل تستقرّ في ذمّته، وخالف في ذلك المالكيّة وقالوا بسقوط زكاة الفطر بالتّلف، وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلف ف /5‏)‏‏.‏

كما أوجب الحنفيّة على الموسر إذا تلفت أضحيّته المعيّنة أن يضحّي بشاة أخرى، وخصّ الشّافعيّة والحنابلة القول بالضّمان بما إذا تلفت بعد التّمكّن من ذبحها أو بتفريط منه‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلف /6‏)‏‏.‏

ح - ارتكاب المحظورات‏:‏

15 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب في صيد الحرم الضّمان بالمثل فيما له مثل من النّعم أو القيمة فيه، وفيما لا مثل له بتقويم رجلين عدلين يتصدّق بها على المساكين‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إحرام ف /16 - 164 وحرم ف /13‏)‏‏.‏

وأوجب الشّارع في الحنث في اليمين كفّارةً هي‏:‏ إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وعند العجز عن الثّلاث يجب عليه صيام ثلاثة أيّام‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أيمان ف /138‏)‏‏.‏

وتجب الكفّارة على المظاهر، وهي باتّفاق الفقهاء على التّرتيب الآتي‏:‏ الإعتاق ثمّ الصّيام ثمّ الإطعام‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏ظهار ف /28‏)‏‏.‏

ط - التّفريط والتّعدّي‏:‏

16 - من أسباب ثبوت العوض التّعدّي، وهو الظّلم ومجاوزة الحدّ، والتّفريط وهو التّقصير والتّضييع، وهما يوجبان الضّمان في عقود الأمانات كالوديعة، وذلك كإهمال حفظها في حرز مثلها أو إيداعها عند غير أمين، ومثلها العاريّة والرّهن عند من يعدّهما من الأمانات‏.‏ والتّفريط يوجب الضّمان في عقد الوكالة، ذلك أنّ الأصل في الوكيل أنّه أمين، فلا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط منه ولا تعدّ، فإذا ثبت تفريطه أو تعدّيه وجب عليه الضّمان‏.‏

وإذا فرّط الأجير فيما وكّل إليه من عمل فتلف ما في يده وجب عليه الضّمان، ومثله الوصيّ فإنّه يضمن إذا فرّط في مال الموصى عليه‏.‏

وانفرد المالكيّة بالقول بإيجاب الضّمان على من فرّط في إنقاذ مال غيره من الضّياع أو التّلف، وعلى من فرّط في إنقاذ حياة إنسان‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تلف ف /5 وما بعدها‏)‏‏.‏

والتّعدّي والتّفريط أيضاً سبب لثبوت العوض على المضارب، فإذا هلك مال المضاربة في يد المضارب بسبب تعدّيه أو تقصيره فإنّه يضمنه، وإلاّ فالخسران على ربّ المال دون العامل لأنّه أمين كالوديع‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ضمان ف /53‏)‏‏.‏

ما لا يجوز أخذ العوض عنه‏:‏

17 - هناك تصرّفات نصّ الفقهاء على أنّه لا يجوز أخذ العوض عنها‏.‏ نذكر منها ما يلي‏:‏ أ - لا يجوز أخذ العوض عن المنافع المحرّمة كالزّنا والنّوح والغناء والملاهي المحرّمة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /108‏)‏‏.‏

ب - لا يجوز أخذ العوض على الطّاعات الواجبة على المسلم كالصّلاة والصّوم والحجّ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /109‏)‏‏.‏

قال الزّركشيّ‏:‏ ولهذا لا يجوز الاستئجار للجهاد ؛ لأنّه إذا حضر الصّفّ تعيّن عليه ؛ ولأنّ منفعة الجهاد تعود إليه فالمنفعة حاصلة له‏.‏

ولو خلّص مشرفاً على الهلاك بالوقوع في ماء أو نار لا تثبت له أجرة المثل، قاله القاضي حسين‏.‏

ولو كان رجلان في بادية فمرض أحدهما وجب على الآخر تعهّده، زاد الإمام‏:‏ ولا أجرة له، وإذا وجب بذل الماء الفاضل عنه لا يجوز أخذ العوض عنه في الأصحّ، وإذا تحمّل شهادةً وطلب أداؤها منه لا يجوز له أخذ الأجرة للنّهي‏.‏

ج - لا يجوز أخذ العوض عند جمهور الفقهاء عن الحقوق المجرّدة، كحقّ الشّفعة وحقّ القسم للزّوجة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏حقّ ف /26‏)‏‏.‏

تقدير العوض

يختلف حكم تقدير العوض باختلاف التّصرّف الواقع فيه كما يلي‏:‏

أ - التّصرّفات الّتي يجب أن يكون العوض فيها مقدّراً ومعلوماً‏:‏

18 - اشترط الشّارع في بعض التّصرّفات أن يكون العوض فيها مقدّراً ومعلوماً للمتعاقدين وذلك كعقود المعاوضات حسماً لمادّة النّزاع‏.‏

ففي البيع يجب أن يكون الثّمن معلوماً والمبيع معلوماً‏.‏

قال التّمرتاشيّ‏:‏ وشرط لصحّته - أي البيع - معرفة قدر مبيع وثمن‏.‏

وقال الدّسوقيّ‏:‏ لا بدّ من كون الثّمن والمثمّن معلومين للبائع والمشتري وإلاّ فسد البيع، وجهل أحدهما كجهلهما على المذهب‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ وللمبيع شروط‏.‏‏.‏ الخامس‏:‏ العلم به‏.‏‏.‏ ومتى كان العوض معيّناً كفت معاينته‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ يشترط لصحّة عقد البيع أن يكون المبيع والثّمن معلومين للمتعاقدين حال العقد‏.‏

وفي عقد الإجارة اشترط الفقهاء لصحّتها أن يكون كلّ من المنفعة والأجرة معلوماً عند المتعاقدين‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /31 - 40‏)‏‏.‏

وفي عقد السّلم اشترط الفقهاء في رأس مال السّلم والمسلم فيه أن يكونا معلومين، وذلك لأنّ كلّاً منهما بدل في عقد معاوضة ماليّة فلا بدّ من كونه معلوماً‏:‏ كسائر عقود المعاوضات‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ سلم ف /15 - 22‏)‏‏.‏

واختلف الفقهاء في عوض الخلع هل يشترط أن يكون مقدّراً معلوماً أم لا ‏؟‏

فاشترط الشّافعيّة أن يكون مقدّراً معلوماً، ولم يشترط ذلك جمهور الفقهاء حيث قالوا بصحّة الخلع بالمجهول‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ خلع ف /26‏)‏‏.‏

ب - التّصرّفات الّتي لا يجب فيها تقدير العوض‏:‏

19 - اتّفق الفقهاء على صحّة النّكاح ولو مع عدم ذكر المهر وتقديره، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏، ويسمّى النّكاح في هذه الحالة نكاح التّفويض‏.‏

بل ذهب جمهور الفقهاء إلى صحّة عقد النّكاح مع اشتراط عدم المهر، قال الكاسانيّ‏:‏ لا خلاف في أنّ النّكاح يصحّ من غير ذكر المهر ومع نفيه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏، رفع سبحانه الجناح عمّن طلّق في نكاح لا تسمية فيه، والطّلاق لا يكون إلاّ بعد النّكاح فدلّ على جواز النّكاح بلا تسمية‏.‏ وخالفهم المالكيّة في مسألة اشتراط عدم المهر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏تفويض ف /5 وما بعدها‏)‏‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يشترط في عوض الخلع أن يكون معلوماً ومقدّراً، ونصّوا على صحّة الخلع مع جهالة العوض وخالفهم في ذلك الشّافعيّة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏خلع ف /26‏)‏‏.‏

الأعواض الّتي قدّرها الشّارع

20 - قام الشّارع بتقدير بعض الأعواض، ولم يترك تقديرها لأحد وذلك حسماً لمادّة النّزاع، وتقدير الشّارع للعوض إمّا أن يكون بتحديده، أو بوضع ضابط يرجع إليه في تقدير العوض‏.‏

ومن الأعواض الّتي حدّدها الشّارع الدّية، فقدّر الشّارع دية الخطأ مثلاً مائةً من الإبل أو ألف دينار من الذّهب أو اثني عشر ألف درهم من الورق، وكذلك دية القتل شبه العمد، والقتل العمد إذا سقط القصاص، لكن مع التّغليظ في الحالين‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ديات ف /12 وما بعدها‏)‏‏.‏

وأيضاً قدّر الشّارع دية الأطراف وإتلاف المعاني والشّجاج والجروح‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏ديات ف /34 وما بعدها‏)‏‏.‏

ومن الأعواض المقدّرة من الشّارع فدية الحامل والمرضع والشّيخ الهرم في صيام رمضان، وهي مدّ من طعام لمسكين إذا كان من البرّ، أو نصف صاع إذا كان من غيره وذلك عن كلّ يوم حصل فيه إفطار‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ صوم ف /90‏)‏‏.‏

وفي كفّارات محظورات الإحرام الفدية، وهي أن يذبح هدياً أو يتصدّق بإطعام ستّة مساكين أو يصوم ثلاثة أيّام‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إحرام ف /148‏)‏‏.‏

ومن الأعواض الّتي قدّرها الشّارع بوضع ضابط يرجع إليه عند تقديرها العوض في الإتلافات، والضّابط فيه‏:‏ ردّ مثل الهالك ‏(‏المتلف‏)‏ إن كان مثليّاً أو قيمته إن كان قيميّاً، والأصل فيه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إناء مثل إناء وطعام مثل طعام»‏.‏

قال الكاسانيّ‏:‏ وأمّا بيان ماهيّة الضّمان الواجب بإتلاف ما سوى بني آدم، فالواجب به ما هو الواجب بالغصب، وهو ضمان المثل إن كان المتلف مثليّاً، وضمان القيمة إن كان ممّا لا مثل له، لأنّ ضمان الإتلاف ضمان اعتداء، والاعتداء لم يشرع إلاّ بالمثل، فعند الإمكان يجب العمل بالمثل المطلق، وهو المثل صورةً ومعنىً، وعند التّعذّر يجب المثل معنىً وهو القيمة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ ضمان ف /6، 18، 91‏)‏‏.‏

ومن ذلك أيضاً الصّداق في نكاح التّفويض، والضّابط فيه‏:‏ وجوب مهر المثل، ويتقرّر هذا المهر بالموت أو الوطء‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ تفويض ف /8‏)‏‏.‏

ومن ذلك أيضاً جزاء قتل الصّيد على المحرم، والضّابط فيه بيّنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ‏}‏‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏إحرام ف /161 وما بعدها‏)‏‏.‏

تجزئة العوض

21 - يثبت العوض كاملاً حسب ما يقدّره العاقدان - كما في العقود - أو بحسب ما قدّره الشّارع - كما في الجنايات والإتلافات‏.‏

لكن هناك حالات لا يثبت فيها العوض كاملاً، منها‏:‏

أ - حالة ما إذا تلف بعض المبيع بفعل البائع قبل القبض، فالمذهب عند الحنفيّة بطلان البيع بقدره ويسقط عن المشتري حصّة التّالف من الثّمن، وهو مذهب الحنابلة في المبيع إذا كان مكيلاً أو موزوناً، قال ابن قدامة‏:‏ قياس قول أصحابنا أنّ المشتري مخيّر بين الفسخ والرّجوع بالثّمن، وبين أخذه والرّجوع على البائع بعوض ما أتلف أو عيّب‏.‏

والتّفصيل في مصطلح ‏(‏تلف ف /14‏)‏‏.‏

ب - حالة الأجير الخاصّ إذا عمل لغير مستأجره بغير إذنه، فإنّه ينقص من أجره بقدر ما عمل‏.‏ فلربّ العمل أن يسقط من أجره بقدر قيمة ما عمل لغيره، ولو كان عمله لغيره مجّاناً‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /106‏)‏‏.‏

ج - حالة الطّلاق قبل الدّخول عند تسمية المهر، فإنّه في تلك الحالة يجب للمطلّقة نصف المهر المسمّى، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏‏.‏

د - في الخلع إذا قالت طلّقني ثلاثاً بألف، فطلّقها واحدةً فعليها ثلث الألف ؛ لأنّها لمّا طلبت الثّلاث بألف فقد طلبت كلّ واحدة بثلث الألف، وهذا لأنّ حرف الباء يصحب الأعواض، والعوض ينقسم على المعوّض‏.‏

تسليم العوض

22 - إذا ثبت العوض في ذمّة شخص نتيجة ما قام به من تصرّف، فإنّه يجب عليه تسليم العوض إلى مستحقّه‏.‏

ويختلف وقت تسليم العوض باختلاف التّصرّف الواقع فيه‏.‏

ففي بعض التّصرّفات اشترط الشّارع تسليم العوض حالّاً وفي مجلس العقد، لأنّها أعواض حالّة بحكم الشّرع، وذلك كما في بيع الأموال الرّبويّة بعضها ببعض عند اتّحاد العلّة، والأصل في ذلك حديث عبادة بن الصّامت رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الذّهب بالذّهب والفضّة بالفضّة والبرّ بالبرّ والشّعير بالشّعير والتّمر بالتّمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد»‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏رباً ف /26 وما بعدها‏)‏‏.‏

وفي عقد السّلم اشترط الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لصحّته تسليم رأس المال في مجلس العقد، فلو تفرّقا قبله بطل العقد، وأجاز المالكيّة تأخيره اليومين والثّلاثة‏.‏

‏(‏ر‏:‏ سلم ف /16‏)‏‏.‏

وفي الشّفعة يرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّه يجب أن يكون ثمن المشفوع فيه حالّاً ولو كان الثّمن مؤجّلاً على المشتري، وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه إذا بيع العقار مؤجّلاً أخذه الشّفيع إلى أجله‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أجل ف /41‏)‏‏.‏

وفي الإقالة يرى جمهور الفقهاء أنّ الثّمن إذا كان حالّاً فأجّله المشتري عند الإقالة، فإنّ التّأجيل يبطل وتصحّ الإقالة‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏أجل ف 39‏)‏‏.‏

وفي دية القتل العمد يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّها تجب في مال القاتل حالّةً غير مؤجّلة‏.‏

وعند الحنفيّة تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏أجل ف /43‏)‏‏.‏

23 - وفي بعض التّصرّفات يكون العوض مؤجّلاً بحكم الشّرع‏.‏

ومن هذه الأعواض الدّية في القتل شبه العمد والقتل الخطأ، حيث تكون الدّية فيهما مؤجّلةً لمدّة ثلاث سنوات‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أجل ف /44 - 45‏)‏‏.‏

ومنها المسلم فيه، فقد اشترط الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة لصحّة السّلم أن يكون المسلم فيه مؤجّلاً إلى أجل معلوم ولا يصحّ السّلم الحالّ، ويرى الشّافعيّة جواز السّلم في الحالّ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ أجل ف /46‏)‏‏.‏

ومنها العوض المكاتب به حيث يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ المكاتبة لا تكون إلاّ بمال مؤجّل منجّم تيسيراً على المكاتب، ويرى الحنفيّة جواز الكتابة بمال مؤجّل وبمال حالّ‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ أجل ف /47‏)‏‏.‏

24 - وفي بعض التّصرّفات أجاز الشّارع تأخير تسليم العوض بحسب ما يتّفق عليه العاقدان، فقد اتّفق الفقهاء على جواز تأجيل الثّمن في البيع، لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «اشترى من يهوديّ طعاماً بنسيئة ورهنه درعاً له من حديد»‏.‏

وأجاز المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الرّأي المرجوح تأجيل تسليم العين المبيعة إلى المدّة الّتي يحدّدها العاقدان، كما لو باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ثمّ يسلّمها إليه، ومنع ذلك الحنفيّة والشّافعيّة في الرّأي الرّاجح‏.‏

‏(‏وتفصيل ذلك في أجل ف /33 وما بعدها‏)‏‏.‏

موانع تسليم العوض

25 - أجاز الفقهاء - في عقود المعاوضات - حبس العوض لاستيفاء بدله، فيجوز للبائع أن يمتنع عن تسليم المبيع إلى المشتري حتّى يقضي الثّمن المعجّل‏.‏

‏(‏ر‏:‏ استيفاء ف /20‏)‏‏.‏

وإن كانت الأجرة معجّلةً في عقد الإجارة كان للمؤجّر حبس ما وقع عليه العقد حتّى يستوفي الأجرة‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ إجارة ف /56‏)‏‏.‏

وللزّوجة أن تمتنع عن تسليم نفسها إلى أن يدفع لها الزّوج صداقها المعجّل، وذلك لأنّ حقّ الزّوج قد تعيّن في المبدل فوجب أن يتعيّن حقّها في البدل تسويةً بينهما‏.‏

ومن موانع تسليم الزّوجة لزوجها الصّغر، فلا تسلّم صغيرة لا تحتمل الوطء إلى زوجها حتّى تكبر ؛ لأنّه قد يحمله فرط الشّهوة على الجماع فتتضرّر به‏.‏

ومن موانع تسليم الزّوجة المرض الّذي يمنع من الجماع، وتمهل المرأة إلى حين زوال مرضها‏.‏